
في أبريل 2019 أطلق المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث تطبيقاً رقمياً حمل اسم “يورو فتوى ـ Euro Fatwa“، متاحاً بـ (3) لغات: العربية والإنجليزية والإسبانية، وموجّهاً لمسلمي أوروبا. غير أنّ هذا التطبيق سرعان ما تحوّل إلى منصة رقمية لنشر فتاوى متطرفة، يعكس إيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين، ويهدد جهود الاتحاد الأوروبي في مكافحة التطرف وخطاب الكراهية.
ووفقاً لدراسة حديثة صادرة عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، أعدها الباحث جاسم محمد، فإنّ التطبيق مثّل منذ انطلاقه أداة رقمية لترويج خطاب ديني متشدد، يستند إلى فتاوى يوسف القرضاوي، الزعيم الروحي للإخوان، الذي شغل رئاسة المجلس الأوروبي للإفتاء لسنوات. وتوضح الدراسة أنّ مقدمة التطبيق تضمنت تعبيرات معادية للسامية، وعبارات تحريضية تمجد أعمال العنف باسم الدين، وهو ما دفع لاحقاً إلى حذف المقدمة بعد موجة انتقادات حادة.
لكنّ هذه الاستجابة لم تكن كافية لإزالة الشبهات التي ارتبطت بالتطبيق الذي أدرجته تقارير أمنية أوروبية ضمن أدوات التأثير العقائدي الموجهة للجاليات المسلمة في الغرب، والتي تحرّض على الانغلاق ورفض الآخر وخرق القوانين الوطنية باسم الدين.
تؤكد الدراسة أنّ التطبيق يتضمن اقتباسات ومضامين من فتاوى القيادي الإخواني الراحل يوسف القرضاوي، الذي كان ممنوعاً من دخول عدة دول غربية، على رأسها بريطانيا، والولايات المتحدة، وفرنسا، بسبب مواقفه المتطرفة. ومن بين ما ورد في التطبيق: “المسلمون أصبحوا وصمة عار على الإسلام، وتصرّفوا على نحو مشابه لليهود الذين قرروا أنّه من الصواب السرقة”. كما اقتبس القرضاوي تصريحاً يصف فيه الهولوكوست بأنّه “عقاب إلهي لليهود”، متمنياً أن “تكون المرة القادمة بيد المؤمنين”.
هذه اللغة، بحسب الدراسة، لا تنتهك فقط القوانين الأوروبية التي تحظر التحريض على الكراهية، بل تثير تساؤلات حول استغلال الفضاء الرقمي لإعادة تدوير أفكار الإخوان، وترويجها على نطاق أوسع، لا سيّما عبر منصات مثل “متجر آبل”، الذي ما يزال يحتضن التطبيق رغم البلاغات الرسمية حول محتواه.
تكشف الدراسة أنّ “متجر آبل” لم يستجب للتحذيرات الصادرة عن حكومات أوروبية ومراكز بحثية بشأن التطبيق، رغم ثبوت ارتباطه بجماعة الإخوان وخطابه التحريضي. وتذكر الدراسة تصريحاً لرئيس منظمة “Faith Matters“، الذي وصف التطبيق بـ “الكارثة الرقمية”، محذراً من أنّ انتشاره بين الشباب المسلم يُنشئ جيلاً معرضاً للتطرف الممنهج.
وقد صنّفت السلطات الألمانية التطبيق باعتباره “لبنة في عملية التطرف”، وحذّرت وكالة الاستخبارات الداخلية من أنّه أداة لتأجيج الكراهية داخل المجتمعات. وربطت التقارير الأمنية بين زيادة تحميل التطبيق خلال فترات الإغلاق بسبب كورونا، وبين سعي المتطرفين لاستغلال العزلة الرقمية للوصول إلى الفئات الهشة.
توضح الدراسة أنّ مشروع “يورو فتوى” ليس مجرد تطبيق ديني، بل هو انعكاس لرؤية الإخوان حول الإسلام السياسي، ومحاولة للهيمنة على الخطاب الديني الإسلامي في أوروبا. وبينما تدّعي الجماعة أنّ التطبيق يهدف لتقديم مرجعية شرعية للمسلمين الأوروبيين، فإنّه في الحقيقة، يُشكّل خطراً على مفاهيم التعايش والمواطنة، إذ يروج لمفاهيم “الاستعلاء الديني”، ويفرض تأويلات متطرفة تعارض القيم الغربية في احترام الآخر وحقوق المرأة.
وترى الدراسة أنّ هذا التوجه يعمّق الهوة بين الجاليات المسلمة والمجتمعات المضيفة، ويعزز من ظاهرة “الغيتو الديني”، وهو ما يفتح الباب أمام تصاعد الإسلاموفوبيا، ويدخل المجتمعات في دائرة مفرغة من الشك والرفض المتبادل.
رغم التشريعات الأوروبية، كقانون الأسواق الرقمية (DMA) وقانون الخدمات الرقمية (DSA)، ما تزال الشركات التكنولوجية الكبرى تُغَلِّب منطق الربحية على المسؤولية المجتمعية. وتبيّن الدراسة أنّ “آبل وجوجل” تتهربان من إزالة المحتوى المتطرف ما لم يكن هناك ضغط سياسي أو إعلامي كبير، كما حدث سابقاً مع بعض تطبيقات (داعش). بينما تستمر تطبيقات مثل “يورو فتوى” في التسلل إلى المجتمعات دون رقيب فعلي.
وتشير الدراسة إلى أنّ غياب المعايير الموحدة في أوروبا لمحاربة خطاب الكراهية يمنح مثل هذه التطبيقات هامشاً واسعاً للمناورة، مستغلة فجوات في التشريعات، وتقديم نفسها كصوت “إسلامي معتدل” في حين أنّها في الواقع امتداد لحركة الإخوان وإيديولوجيتهم العابرة للحدود.
تسلّط الدراسة الضوء على مواقف عدد من الجهات الأوروبية الرسمية، مثل هيئة حماية الدستور الألمانية، التي أكدت في تقاريرها أنّ التطبيق يروج لمضامين تحريضية، ودعت إلى مراجعته ضمن أدوات التأثير العقائدي للجماعات المتطرفة. كما دعت النائبة الفرنسية ناتالي جوليه إلى حظر التطبيق فوراً، ووصفت القرضاوي بأنّه “مفتي الإرهاب”.
وتنقل الدراسة عن دار الإفتاء المصرية مواقف مماثلة، مشيرة إلى أنّ التطبيق يُسهم في نشر تصورات تشوّه صورة الإسلام، وتزيد من اتهامه بعدم التسامح، خاصة أنّ القرضاوي لطالما دعا إلى “غزو أوروبا” عبر التوسع الإسلامي، وزعم أنّ “هزيمة المسيحية ممكنة من داخل أوروبا”.
توصيات
ـ إخضاع المنصات الرقمية لمراجعة دورية للمحتوى المتاح، خاصة في ما يتعلق بالتطبيقات الدينية.
ـ فرض غرامات فورية على الشركات التي لا تلتزم بالتحقيق في البلاغات ضد المحتوى المتطرف.
ـ سحب ترخيص تطبيقات مشبوهة تموّل من جهات مرتبطة بالإخوان أو تيارات الإسلام السياسي.
ـ إنشاء مراكز فتاوى إلكترونية معتمدة في أوروبا ترتبط بمؤسسات معتدلة مثل الأزهر الشريف، لتكون مرجعاً موثوقاً بديلاً عن المنصات الإخوانية.
ـ تنظيم حملات إعلامية توعوية للجاليات المسلمة حول خطورة هذه التطبيقات وغاياتها الإيديولوجية.
وأخيراً يقول الباحث: إن تطبيق “يورو فتوى” ليس مجرد أداة دينية إلكترونية، بل يعكس مسعى منظماً لجماعة الإخوان للهيمنة على الوعي الديني للمسلمين في الغرب، من خلال خطاب يتستر بالفقه ويستبطن التحريض. وتؤكد دراسة المركز الأوروبي أنّ تجاهل هذه المخاطر تحت ذريعة حرية التعبير، أو التهاون في ضبط الفضاء الرقمي، يفتح الباب لانتكاسات أمنية واجتماعية في عمق أوروبا.
المصدر: حفريات
رشا عمار